يقول القديس بولس الرسول:فاذكروا أنه من زرع قليلا حصد قليلا, ومن زرع كثيرا, فليعط كل مرء ما نوي في قلبه, لا أسفا ولا مكرها. إن الله يحب من أعطي متهللا (2كورنثوس9:6-8). الفنان العظيم شارلي شابلن أشهر كوميديان في تاريخ السينما يحكي عن خبرة ودرس في طفولته كان لهما بالغ الأثر في حياته مضمونهما:عندما كنت طفلا, ذهبت مع والدي لحضور أحد عروض السيرك الممتعة, ثم وقفنا في طابور طويل للحصول علي تذاكر الحفل, وكان أمامنا أسرة مكونة من ستة أبناء مع والديهم, وكان يبدو عليهم الفقر, وبالرغم من أن ثيابهم كانت قديمة, إلا أنها كانت نظيفة جدا, وكان أطفالهم في قمة السعادة أثناء حديثهم عن السيرك. ولكن عندما وصلوا إلي شباك التذاكر, تقدم الأب ليسأل عن ثمن التذاكر, فأخبره الموظف عن التكلفة, مما جعل الأب يقع في حيرة والخجل يعلو وجهه, ثم أخذ يهمس لزوجته, وكانت علامات الحرج تظهر عليه. فلاحظت أبي الحنون يضع يده في جيبه ليخرج منه عشرين دولارا, وألقي بها علي الأرض, ثم انحني والتقطها واضعا يديه علي كتف الرجل قائلا له:هذه النقود سقطت منك فنظر إليه الرجل المسكين والدموع تنهمر من عينيه ثم قال له:شكرا جزيلا يا سيدي!. وبعد أن دخلت هذه العائلة لحضور عروض السيرك شدني والدي لنخرج من الصف, لأنه لم يكن يملك سوي العشرين دولارا فقط التي أعطاها للرجل.كم كنت فخورا جدا بأبي. وكان هذا المشهد هو أجمل العروض التي شاهدتها في حياتي, وأروع من عرض السيرك الذي لم أتمكن من حضوره, يا لعظمة القلب البشري حينما تمس الرحمة والرأفة أوتاره الحساسة وتعزف عليها! ومن ثم سيكون القلب ينبوعا فياضا بالعظف والحنان والإنسانية, ولن نستطيع أي عوائق الوقوف أمامه عندما يعبر عن سخائه نحو الآخرين, وبنوع خاص مع المحتاجين والبائسين. فالإنسان الذي يبحث في محيطه, سيجد من حوله نفوسا بائسة لا حصر لها, تحتاج إلي ابتسامة أو دمعة أو كلمة طيبة لتشجيعها. لذلك يجب علينا أن نمتلك قلبا رحيما, يجعلنا نفكر في الآخرين الذين لا مأوي لهم, والذين يسيرون حفاة الأقدام, ويرتدون ثيابا بالية, ومن المحتمل أنهم يكونون مرضي ولا يجدون ثمن الدواء, أو جياعا يشتهون ما نلقيه من فضلات! فالصدقة علي الفقير والمحتاج, لا تفقر من يقوم بها مهما كانت تكلفتها بل البخل عليه هو الذي يفقر. ومما لاشك فيه أنه لاتوجد رذيلة في الإنسان أسوأ من البخل, ولاسيما علي سعة وغني, لأن البخل علي الآخرين يجلب نقمة السماء واشمئزاز الناس, كما أن البخل علي النفس يفسد لذة الحياة وراحة الضمير. ولا يمكن حصر الإحسان في المساعدة المادية فقط, لأن التضحية وهبة الذات هما أفضل من المال, فهناك التضحية بالوقت والراحة من أجل الآخرين والتضحية لسماع شكوي الغير, والتضحية بما نحبه لنقدمه للآخرين إذا كانوا بحاجة إليه. وكما يعلمنا السيد المسيح قائلا:ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه(يوحنا15:13). إن الإنسان الذي يقوم بواجبه ويفتح قلبه وذراعيه من أجل الناس ويقدم لهم ما بذله من جهد وما جناه من ثمار سيشعر بالسعادة تغمره طوال حياته وينال رضا الله عنه في كل حين كما أننا نستطيع بالقليل مساعدة الغير ونزرع فيه البهجة والسعادة. هناك حقول النفوس والقلوب التي بحاجة إلي زرعها فلنزرع الإيمان في قلوب الضعفاء والخائفين, لنسندهم ونشجعهم! لنزرع حبنا لله والآخرين لأن الحب ينبوع الخير والبركة, وفيهما اكتمال السعادة للجميع. لنزرع الحياة, أي أحسن ما فينا لنزرع أفكارنا الطيبة ومبادئنا السامية, وآمالنا الجميلة وأنبل ما نطمح إليه! لنزرع الرجاء في كل نفس بائسة نتقابل معها. ما أكثر النفوس المقفرة علي طريق الحياة! نفوس استبد بها اليأس وأصابها الخور وأظلمت الحياة أمام عينيها, فواجب علينا أن نبذر فيها الأمل والتفاؤل والمرح, كما أن نستطيع أن ننثر بذور التسامح والصفح في القلوب التي تعفنت بالأحقاد والكراهية, وبذور المحبة في النفوس التي تلدغها الغيرة والحسد, وبذور النخوة والاعتماد علي الذات, بدل الاتكالية وروح التذمر والشكوي إذا فالعطاء ليس مقتصرا علي الأشياء المادية فقط, لأنه يوجد عطاء أهم بكثير ولا غني عنه. ونختم بالمثل الإنجليزي:من لا يريد حين يقدر, لن يستطيع عندما يريد.