يضع داود النبي كل رجائه في الله مرددا:غير أنني جعلت نفسي في طمأنينة وأنس كفطيم علي صدر أمه, أصبحت في قرارة نفسي(مزمور131:2).
كان أحد الفنانين يقوم برسم لوحة للأشجار في فصل الخريف بعد غروب الشمس مباشرة, وكانت اللوحة تميل إلي الظلام, فالأشجار عارية من الأوراق,وهناك بيت منعزل بلا نور قائم بعيدا, يواجه عاصفة شديدة من التراب.
كل ما في اللوحة يعبر عن الكآبة والقتامة واليأس.
لكن الفنان لم يكن قد انتهي من رسم لوحته, ومازالت هناك بضعة دقائق قبل تسليمها لتعرض علي الزائرين, وفي لمح البصر غمس الفرشاة في اللون الأصفر, ثم رسم به نورا يشع من نافذة المنزل للخارج, كم هو مذهل هذا التغيير الكامل للوحة! لقد تغير مدلول المشهد تماما,وصار يعبر عن الدفء والطمأنينة والأمان,بالرغم من العواصف. لقد أصبح منزلا مضيئا وسط الظلام والتشويش.
هنا درس عظيم ومفيد لحياتنا جميعا, أن الله لن يتركنا أبدا وسط الأمواج والعواصف والظلام الذين يغمرون حياتنا, فهو يسمح لنا بأن نمر بظروف قاسية,حتي إننا نري كل شيء من حولنا يسير ضد إرادتنا وعكس التيار, والغالبية العظمي منا تشعر باليأس معتقدة أن لا أمل في النجاة من هذه المحن, لكن يجب علينا ألا نفقد إيماننا وثقتنا بالله الذي يمنحنا نورا يضيء طريقنا ويرشدنا إلي الاتجاه الصحيح, لنصل إلي بر الأمان, كم من المرات التي وقعنا فيها أسري اليأس والإحباط نتيجة الضغوط التي نمر بها من ظروف صعبة, وأعباء الحياة المختلفة من غلاء المعيشة, وفقدان أعزاء لنا, وحروب وموت أبرياء وإرهاب يسود العالم الذي نعيش فيه, وخيانة بعض الأصدقاء,وعدم الحصول علي ما نتمناه في الأسرة والعمل؟لكن الإنسان الذي يثق في الله الذي يدبر له الأفضل,يتحلي بالأمل والرجاء اللذين يدفعانه لقبول ظروف الحياة, ويشكر الله علي كل حال ومن أجل كل حال,لماذا فقد الكثير الأمل في هذه الحياة؟ نجد السبب في المتغيرات التي طرأت علي عالمنا الذي يسيطر عليه حب التملك والسيطرة والأنانية والسطحية,لكن الأمل يجعلنا نذهب إلي ما وراء الحياة اليومية, بمظاهرها الخادعة ورغباتها التي لا تنتهي أبدا, لأنه فضيلة ونعمة تقودانا نحو الله والسعادة, لذلك يجب علي كل واحد منا أن يتمسك بطوق النجاة, حتي يستطيع أن ينجو من المشاكل والصعوبات,بينما اليأس هو جحيم نعيشه الآن, لأنه يبدد طموحاتنا وقوانا وتفكيرنا.
إن الحياة تتعثر ولكنها لا تتوقف,والأمل يضمحل ولكنه لا يموت, فالله موجود دائما في حياة كل واحد منا, حتي وإن لزم الصمت, لنتذكر أيوب البار الذي أدرك معني صمت الله في نهاية حياته, وعرف جيدا أن كل شيء كان يحدث معه, له معني ومخطط من الله لأجل خيره.إذا… لماذا لا نلجأ إلي الله القادر علي كل شيء طالبين منه العون والمساعدة؟ وكما يقول الله علي لسان داود النبي:من يدعوني, أستجيب له, أنا معه في الضيق,أخلصه وأمنحه مجدا(مزمور 90:15).
فالله لا يطلب منا أشياء تفوق قدراتنا لتعجيزنا وإحباطنا, فكل ما يحتاج إليه من كل شخص, هو أن يعبده ويعطيه قلبه ويتوكل عليه بكل ثقة فيما يفعله معه, إن كل إنسان يعمل ويفكر ويحيا بطريقة أفضل, عندما يصبح غنيا بالأمل الذي يملأ حياته, لأن النفس التي تأمل تظل شابة دائما وحاضرة أمام مواجهات الحياة اليوم وغدا, لذلك لا نحزن علي يوم أنقض,فسيكون الغد أفضل مادمنا نملك قلبا شجاعا, ونجد من نحبه ومن يحبنا,وهنا نقف لحظة مع الذات متساءلين:هل فقدنا الأمل بسبب أمور دنيوية وضائقة مالية نمر بها؟ إذا كانت إجابتنا بالإثبات,علينا أن نتذكر ونحن نشعر بالضيق لقلة أنواع الطعام أو سوء طهيها,بأن هناك ملايين من الجوعي يسعدون بالفتات, وعندما نشعر بليالي الألم, نشكر الله علي حياة طويلة بلا عذاب,وعندما يعترينا المرض, نحمد الله علي سنوات الصحة, لقد منحنا الله نعما وعطايا لا تحصي ولا تعد,فلا يجوز لنا أن نضجر عندما ندفع بالتقسيط ما نلناه مننه بالجملة! إذا يجب علينا أن نثق في عناية الله لنا, ونتكل علي معونته في كل لحظة, حتي يحول الظلام إلي نور,والمر إلي حلو, والمستحيل إلي ممكن,واليأس إلي أمل والكآبة إلي فرح,ونختم بالقول المأثور:يموت الإنسان للمرة الأولي عندما يفقد الأمل.