يناجي داود النبي الله بقوله:يارب, من يحل في خيمتك؟ ومن يقيم في جبل قداستك؟ نزيه المسلك وفاعل البر والمتكلم بالحق في قلبه. الذي لا يغتاب لسانه ولا يفعل بصاحبه شرا, ولا ينزل بقريبه عارا(مزمور14:1-3) نحن نعيش في زمن اعتاد الناس فيه أن يهينوا ويجرحوا الآخرين سرا وعلنا دون حياء, ونلمس هذا من مواقع التواصل الاجتماعي بكل أنواعها, حتي أن الكثيرين يقومون بتأليف القصص والروايات ليحاربوا بها من يعاديهم أو الذين يختلفون معهم في الآراء والأذواق والميول. هنا تحضرني قصة معبرة عن شخص مستبد أمر أحد خدامه بأن يذهب ويزرع الحقل الذي يمتلكه بشجر التفاح, ولكن هذا الرجل ذهب وزرعه بالبطاطس وعندما جاء وقت الحصاد ذهب السيد لرؤية المحصول وثمار حقله ليفتخر بهم, وهناك أصابته صدمة كبيرة عندما رأي البطاطس تملأ الحقل فعاتب الخادم قائلا له:ألم أطلب منك بأن تزرع شجر التفاح في هذه الأرض, فلماذا خالفت أمري وزرعت البطاطس دون علمي؟ فأجابه الرجل:يا مولاي لقد قمت بزراعة البطاطس علي أمل أن أحصد شجر التفاح! فقال له سيده:يا لك من مجنون وأحمق! هل سمعت من قبل شيئا من هذا القبيل؟ فأجابه:نعم ياسيدي فأنت شخصيا تزرع دائما بذور الشر في كل مكان وزمان, ومع ذلك تنتظر بكل أمل أن تحصد ثمار الخير والفضائل واحترام الناس لك في هذه الدنيا, وتثق في نوال الثواب علي هذه الأعمال في الحياة الأبدية, فلذلك اعتقدت أنا أيضا في جني التفاح نتيجة لزراعتي البطاطس! فخجل سيده للتو من هذا الكلام القاطع والمستنير, حتي أنه أمر بإطلاق سراحه في الحال ليعيش حرا. كل شخص منا يصطدم بهذه النماذج السلبية في حياته اليومية, هناك من يقومون بإهانة الكبير والصغير, ويجرحون الإنسان الطيب والشخص الشرير, ومما يثير الخجل هو أن عددا لا بأس به من الناس ينساق خلفهم ويجاريهم في كل ما يقولونه من إهانات أو ما يفعلونه وبالرغم من كل هذه التصرفات ينتظرون احترام الجميع لهم وتقديرهم. بينما النفس البشرية مخلوقة علي صورة الله المحب والحنان والرحوم بجميع مخلوقاته, لذلك فالنفس مخلوقة بدافع حب الله لها, ومخلوقة لتحب وتكون محبوبة. وكل إنسان في استطاعته أن يجد الحنان في قلبه, ليعامل به الآخرين ويساعدهم علي القيام برسالتهم في الحياة علي أكمل وجه, بدلا من أن يتركهم ينغلقون علي ذواتهم بسبب ما يتعرضون له من برودة وجفاء وسوء معاملة الغير. لذلك كل واحد منا مسئول عن معاملته مع الآخرين, إذا كان قاسيا أو غير رحيم معهم, أو اللامبالاة نحو الغير. ومما لا شك فيه أن المعاملة الجافة مع الناس, لا تثمر سوي البغض والحقد والقطيعة, لأنها تهدم ولا تبني, كما أنها تضع مسافات وحواجز بين القلوب بدلا من أن تقربها. بينما المعاملة الحسنة واحترام الغير واللطف واللين تجتذب القلوب, وتطفئ الأحقاد, وتنشر المحبة والود والفرح بين الجميع. كانت الرحمة وستظل أعظم وسيلة لقمع الشر وتفجير الطاقات الخيرة في النفوس, لأنها علي النقيض من القسوة والجفاء, التي تدفع إلي الانغلاق علي النفس, والأعمال العدوانية. وكم كانت الرحمة سببا لرجوع نفوس ضالة إلي الصواب, وجعل العنف يتحول إلي وداعة. لذلك نجد الإنسان الذي يستطيع ضبط لسانه يربح احترام الجميع وتقديرهم له, لأن الشخص الذي يتعامل بطريقة مهذبة, يجبر الغير علي التعامل معه والاقتراب منه. كما أن الأدب في معاملة جميع الناس لخير دليل علي التهذيب الرفيع والعقل الراجح لذلك يجب علينا أن نحترم الجميع ونقدرهم, ولا ننساق خلف هؤلاء الذين يختلقون الفضائح والإشاعات لتشويه صورة الذين يختلفون معهم الرأي. فالإنسان الخلوق والمهذب والحكيم يمتحن ويفحص تصرفاته وكلماته, ويبنيها علي أساس متين, بينما غير المهذب يصب من فمه شلالات من الإهانات والثرثرة نحو الغير, لأن حياته فارغة وتافهة. كما يجب علينا أن نساعد الشباب والأطفال في غربلة أحاديثهم وكلامهم قبل أن ينطقون بها, حتي لا تصل إلي آذان الناس, بل تسقط وتختفي المصطلحات التي لا معني لها, ولا تليق بالأخلاق والمبادئ التي نشأنا عليها منذ الصغر ونختم بكلمات الشاعر:
إذا شئت أن تحيا سليما من الأذي وحظك موفور وعرضك صين
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك المعايبا فصنها وقل:يا عين, للناس أعين